فصل: فصل في كَلامٍ نافعٍ في بيان فوائد الجوع وآفات الشبع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان



.فَصْل يَحْتَوِي عَلَى آدَابِ وَمَوَاعِظَ وَنَصَائِحَ وَأَخْلاقٍ فَاضِلَة:

وَاعْلَمْ أَنَّ وقَايَةَ الأَنْفُس بِالْزَامِهَا أَوَامِرَ اللهِ امْتِثَالاً وَنَوَاهِيهِ اجْتِنَابًا وَالتَّوْبَةُ عَمَّا يُسْخِطُ اللهِ، وَيُوجِبُ الْعَذَابَ.
وَوِقَايَةِ الأَهْلِ وَالأَوْلادَ بِتَأْدِيبِهِمْ وَتَعْلِيمِهِمْ وَإِلْزَامِهِمْ عَلَى أَمْرِ اللهِ فَلا يَسْلَمُ الْعَبْدُ إِلا إِذَا قَامَ بِأَمْرِ اللهِ بِهِ فِي نَفْسِهِ وَفِيمَنْ تَحْتَ ولايَتِهِ وَتَصَرفِهِ.
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَر قَالَ حِينَ نَزَلَتْ الآية الآتية بعد سطرين: يَا رَسُولَ اللهِ نَقِي أَنْفُسَنَا فَكَيْفَ لَنَا بِأَهْلِينَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: «تَنْهَوْنَهُنَّ عَمَّا نَهَاكُم اللهُ عَنْهُ وَتَأْمُرُونَهُنَّ بِمَا أَمَرَكُمْ اللهُ بِهِ فَيَكُونَ ذَلِكَ وِقَايَةٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّارِ».
وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ سِيَاقِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} وَحَدِيثُ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ».
إِنَّ تَرْبِيَةَ الأَوْلاد وَتَعْلِيمَهُمْ لأَمْرٌ عَظِيمٌ لَهُ شَأْنُهُ الأَكْبَر وَخَطَرُهُ الْجَسِيمُ فِي حَيَاتَنَا الدِّينِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّةِ، وَالْخُلُقِيَّةِ، فَهُمْ قُوَى الْمُجْتَمَعِ الْمُنْتَظَر وَدَعَائِمِه الَّتِي سَيَقُومُ عَلَيْهَا، وَعَلَيْهِمْ وَحْدَهُم يَتَوَقَّفُ رُقِيُّ الأٌمَّةِ الْحَقِيقِيّ وَنُمُوُّهَا وَتَقَدُّمُهَا.
وَإِنَّ أَمَامَهُمْ لَخَطَرٌ عَظِيمٌ وَغَزْوٌ هَائِلٌ مُتَسَتِّرٌ بِبَعْضِ الثَّقَافَاتِ لِهَدْمِ عَقَائِدِهِمْ وَفَسَادِ أَخْلاقِهِمْ، وَانْتِزَاعِ رُوح الإبَاءِ وَالْغِيرَةِ وَالْعَفَافِ مِنْ نُفُوسِهِمْ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ.
وَإِنَّ مُشْكِلَتَهُمْ الْيَوْمَ لَهِيَ أُمُّ الْمَشَاكِل فَلأَنْ نَخْسَرَ الأَمْوَالَ وَالأَنْفُسَ أَيْسَرُ وَأَهْوَنُ مِنْ أَنْ نَخْسَرَ رُوحَ نَشْئِنَا الْمَعْنَوِيَّةِ، وَعَقَائِدَهُمْ السَّلَفِيَّةِ، فَيَجِبُ أَنْ نَسْعَى فِي حِيَاطَتِهِمْ بِسِيَاجِ الدِّينِ وَأَنْ نَغْرِسَ فِي نُفُوسِهِمْ أَوَّلاً وَقَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ احْتِرَامَ الإسلام، وَحُبَّ تَعَالِيمِهِ، وَآدَابِهِ قَوْلاً وَعَمَلاً وَاعْتِقَادًا.
يَجِبُ أَنْ يَعْتَنِي بِذَلِكَ الإبَاءُ وَالْمُصْلِحُونَ يَجِبُ أَنْ لا يُوكَلَ تَرْبِيتُهم وَتَعْلِيمُهُمْ وَتَهْذِيبُهُمْ وَالإِشْرَافُ عَلَيْهِمْ إِلا لِمَنْ عُرِفَ بِصِحَّةِ الْعَقِيدَةِ وَسَلامَةِ الْمَبْدَأَ وَنَزَاهَةِ الْعِرْضِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى شَعَائِر الدِّينِ وَأَرْكَانِهِ فَمَا أَنْتُمْ إِلا بِاللهِ ثُمَّ بِنَشْئِكُمْ وَمَا النَّشْئُ إِلا بِاللهِ ثُمَّ بِالدِّينِ وَالأَخْلاقِ.
وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ ** فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا

آخر:
إِذَا اسْتَحَالَتْ سجايا القوم فاسدة ** فَلَيْسَ يَنْفَعُهم عِلْمٌ ولا عَمَلٌ

وَيَقُولُ الآخر:
صَلاحُ أَمْرِكَ لِلأَخْلاقِ مَرْجعُهُ ** فَقَوِّمِ النَّفْسَ بِالأَخْلاقِ تَسْتَقِم

وَمَا الأَخْلاقُ إِلا بِالتَّرْبِيَةِ الإسلامية الصَّحِيحَةِ فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ فِي ثَمَرَاتِ قُلُوبِكُمْ وَفَلَذَاتِ أَكْبَادِكُمْ لا تُهْمِلُوا تَربِيَتُهُمْ التَّرْبِيَةَ الإسلامية، وَلا تَتَسَاهَلُوا بِهَا فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله فَقَدْ أُلْقِيَتْ إِلَيْكُمْ مَقَالَيِدُهُمْ، وَأَصْبَحْتُمْ رُعَاةَ أُمُورِهِمْ، وَلا تَكِلُوا إلى حَاضِنَةٍ وَلا مُرَبِّيَةٍ وَلا إلى مُعَلِّمٍ لَمْ تَتَأَكَّدُوا صِحَّةَ إِسْلامِهِ.
فَإِنَّهُمْ وُلِدُوا أَصْفِيَاءَ النُّفُوسِ قَابِلِينَ لِكُلِّ مَا أُلْقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، فَإِنْ وُفِّقَ أَحَدُهُمْ فِيمَنْ يُحْسِنُ تَرْبِيَتَهُ وَتَعْلِيمَهُ وَيغذبه بلِبَانِ الدِّينِ، وَيُحَبِّبُهُ لِسِيرَةِ سَيِِّدِ الْمُرْسَِلينَ، شَبَّ حَسَنَ الأَخْلاقِ طَيِّبَ النَّفْسِ، مُتَمَسِّكًا بِدِينِهِ، مُبْتَعِدًا عَن الرَّذَائِلِ، وَمُتَحَلِّيًا بِالْفَضَائِلَ، نَافِعًا لِلأُمَّةِ.
وَإِلا فَسَيَشِبُّ خَبِيثَ النَّفْسِ فَاسِدَ الاعْتِقَادِ سَيِّءَ الأَخْلاقِ خَالٍ مِنْ الرُّوحِ الإسلامية وَالتَّعَالِيمِ النَّبَوِيَّةِ كلاً عَلَى نَفْسِهِ وَعَشِيرَتِهِ وَشَقَاءَ وَشَرًّا عَلَى مُجْتَمَعِهِ، وَبَلاءً.
فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله فِي أَوْلادِكُمْ بَاعِدُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ قُرَنَاءِ السُّوءِ وَفَاسِدِي الأَخْلاقِ وَفَاقِدِي الْمُرُوءَةِ وَالشَّرَفِ، وَمُرُوهُمْ بِمَا أُمِرْتُمْ بِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} وَأَخْبَرَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَ: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ} الآيَةِ وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ لُقْمَانَ وَهُوَ يُوصِي ابْنَهُ: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
وَانْهُوهُمْ عَمَّا يَضُرُّهُمْ كَمَا أَخْبَرَ اللهُ عَنْ لُقْمَانَ بَعْدَ مَا أَمَرَ ابْنَهُ بِأَشْيَاءَ نَهَاهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَقَالَ: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ آدَابًا نَحْوَ الصبي إذا بَلَغَ سِنَّ التَّمِييزِ فَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: وَمَهْمَا بدت من الصّبي مخايل التمييز فينبغي أن يُحْسَنَ مُرَاقَبَتَهُ ومطالعةُ أحواله فإذا ظهرت في وجهه أنوار الحياء وكان يَحْتَشِم ويَستحي مِن بعضِ الأفعالِ حتى يَراها قبِيحة.
فهذه هدايَةٌ مِن الله تعالى إليه وبشارة تَدُلُّ على اعتدالِ الأَخلاقِ وصفاءِ القلبِ.
وَمِنْ هَذِهِ حَالهُ فَهُوَ مُبَشَّر بكمال العقلِ عند البلوغِ.
فَيَنَبْغِي أن لا يُهْمَلَ عن رِعَايَةِ الاعتناءِ في حقّه بِحُسْن الأَدبِ.
وَجُمْلَةُ ما نُشِيرُ إليه ممَّا يُعَامَلُ به من الآدابِ وَاحدٌ وثلاثون أَدَبًا.
الأَدَبُ الأَوَّلُ: هُوَ أَنَّ الْغَالِبَ على الأطفال الشّرَهُ في الطعامِ فَيَنْبَغِي أن يُؤَدَّبَ فيه فلا يأْكلُ الطَّعَامَ إلا بِيَمِينِهِ.
ويقولُ بسم اللهِ عند أَكْلِهِ وَليَأْكُلْ مِمَّا يَلِيهِ.
ولا يُبَادِرُ إلى الطَّعَامِ قَبْلَ غَيْرِهِ.
قال الشاعر:
وَإِن مُدَّتِ الأَيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أَكُنْ ** بِأَعْجَلِهِمْ إِذْ أَجْشَعُ الْقَوْمِ أَعْجَلُ

ولا يُحَدِّق إلى الطعام وإلى مَنْ يَأْكُله فإنَّ هَذِهِ دَلِيلٌ على البُخل.
الأَدَبُ الثَّانِي: يُؤْمَرُ أَنْ لا يُسْرَعَ فِي الأَكْلِ، وَيَمْضَغَ الطَّعَامَ مَضْغًا جَيِّدًا وَلا يُوَالي بَيْنَ الأَكَلاتِ وَيُلَطِّفُ اللُّقْمَةَ وَلا يُلطِّخُ أَثْوَابَهُ.
الأَدَبُ الثَّالِثُ: يُعَوَّدَ أَكْلَ الْخُبْزِ مِنْ غَيْرِ الإِدَامِ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ حَتَّى يَصِيرُ بِحَيْثُ لا يَرى الإِدَامَ حَتْمًا وَاجِبًا لأَنَّهُ رُبَّمَا فَقَدَهُ.
وَيُقَبَّحُ عِنْدَهُ كَثْرَةُ الأَكْلِ بِأَنْ يُشَبِّهُ مَنْ يُكْثِرُ الأَكْلَ بِالْبَهَائِمِ.
وَيُذَمُّ الصَّبِيُّ الَّذِي يُكْثِرُ الأَكْلَ عِنْدَهُ وَيُمْدَحُ الصَّبِيُّ الْقَلِيلُ الأَكْلِ حَتَّى يَقْتَدِي بِذَلِكَ لِئلا يَصِيرَ شَرَهًا لا يَهُمَّه إلا بَطْنُه.
الأَدَبُ الرَّابِعَ: يُحَبَّبُ إِلَيْهِ الإِيثَار بالطعامِ وَقِلَّةِ الْمُبَالاةِ، وَيُمْدَحُ عِنْدَهُ الطَّعَامِ الَّذِي فِيهِ خُشُونَةٌ أَيَّ طَعَامٍ كَانَ بِحَيْثُ لا يَكُونُ مُولَعًا بِالطَّعَامِ اللَّيِّنِ فَيَصْعُبُ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهُ.
الأَدَبُ الْخَامِسُ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ لِبَاسَهُ مِن الثِّيَابِ الْبِيضِ دُونَ الثِّيَابِ الْمُلوَّنَةِ بِالصِّبَاغَاتِ الْمُزَغْفَرَةِ والمعصفرة وَأَنْوَاعِ الدِّيبَاجِ وَالأَبريسمِ.
وَيُقَرَّرُ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ لِبَاسِ النِّسْوَانِ وَالرِّجَالِ الَّذِينِ لا خَيْرَ فِيهِمْ وَلا دِينَ لَهُمْ وَأَنَّ الرِّجَالَ يستنكفون عن ذلك.
الأَدَبُ السَّادِسُ: أَنَّهُ مَهْمَا رَأَى عَلَى صبي ثَوْبًا مِنْ دِيبَاجٍ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ أَبريسَم فينبغي أَن يُنْكَرَ عَلَيْهِ فَيُذَمَّ عَلَى لُبْسِهِ وَيُزَالَ عَنْهُ بِكُلِّ حَالٍ وَلا يُغْتَفَرُ لَهُ ذَلِكَ وَيُذَمُّ عنده إسْبَال الثِّياب لِيَعْتَادَ عَدَمَ الإسبال.
الأَدَبُ السَّابِعُ: يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ الصَّبِيُّ عَنْ الصِّبيان الذين عِوّدُوا التَّنَعمَ وَالتَّرَفّه وَلبسَ الثِّيَابِ الفَاخِرَةِ وَعَنْ مُخَالَطَةِ مَنْ يَرْغَبُ فيما ذكرناه.
فَإِنَّ الصَّبِي إِذَا أُهْمِلَ فِي أَولِ النَّشْأَةُ خَرَجَ فِي الأَغْلَبِ رَدِيّ الأَخْلاقِ كَذابًا حَسُودًا سَرُوقًا نَمَّامًا لَجُوجًا ذَا فُضُول وَمُجُون، وَإِنَّمَا يُحْفَظُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِحُسْنِ الأَدَبِ.
الأَدَبُ الثَّامِنُ: ثم إِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُشْغَل في المكتب يتعلّم القُرآن وَتَفْسِيرَهُ وأحاديثَ الرسول صلى الله عليه وسلم والفقه ويحرص على حفظ القُرْآن عن ظهر قلب وكذلك الأحاديث الصحيحة كالعمدة وكذلك مختصر المقنع أو دليل الطالب لأن الحفظ هو العلم فمن لم يحفظ لا يقدر على اسْتِخْرَاجِ المسائل غالبًا. والله أعلم.
ويَعْتَمِدُ في حفظ المواعظ الحسنة وأخبار الأبرار وحكاية أهل الصلاح في الزُّهدِ في الدُّنْيَا وَحُسْنِ الرِّيَاضَةِ لِلنَّفْسِ فَيَنْغَرِسُ في قلبِهِ حُبُّ الصَّالِحِينَ وَالإِقتداء بهم. قُلْتُ: ويحذر عن كُتبِ الأشاعرة والمعتزلة والرافضة وجميع أهل البدع.
الأَدَبُ التَّاسِعُ: يَنْبَغِي أَنْ يُحْفَظَ عن الأَشعارِ التي فيها ذكر الهجاء والعشَّاق ويُحْفَظ عن مُخَالَطَةِ مَن هذه حَالُه في إتِّبَاعِ الهوى فَإِنَّ ذَاكَ مَهْمَا انْغَرَسَ فِي قُلُوبِ الصّبيان فإنه يَبْذَرُ الْفَسَادَ في النُّفوس.
الأَدَبُ العاشر: أَنْ يُعَوَّدَ كتابةَ الْخَطِّ وَحِفْظَ الأَمثال الشعريّة والأشعار الزهدية فإن ذلك صفةُ كمالٍ وزينةٍ، وقد قَالَ أمير المؤمنين رضي الله عنه: عليكم بِحُسْنِ الخطِ فَإِنَّهُ مِنْ مفاتيح الرزق.
الأَدَبُ الْحَادِي عَشَرَ: إِذَا ظَهَرَ مِنْ جِهَةِ الصَّبي فِعْلٌ جَمِيلٌ وَخُلُقٌ حَسَنٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْرَمَ عَلَيْهِ وَيُجَازَى بِمَا يَفْرَحُ بِهِ وَيُمْدَحُ بَيْنَ أَظْهر النَّاسِ.
فإن خَالَفَ ذَلِكَ في بعض الأَحوالِ مَرَّة واحدةً فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَغَافَلَ عنه ولا يُهْتَكُ سِتْرُهُ في مَلأ مِن الْخَلقِ وَلا يُكَاشَفُ في َوْجِهِه وَيُظْهَرَ لَهُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لا يَتَجَاسَرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ لاسِيَّمَا إِذَا سَتَرَهُ الصَّبِيُّ وَأَخْفَاهُ.
الأَدَبُ الثَّانِي عَشَرَ: أَنَّهُ إِنْ عَادَ إلى ذلك فَيَنْبَغِي أَنَّ يُعَاتَبَ سَرًّا وَيُعَظّمَ عليه الأمرُ وَيُقَالَ لَهُ إِيَّاكَ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْكَ فِي مِثْلِ هَذَا فَتَفْتَضِحَ بَيْنَ النَّاسِ.
وَلا يُكْثَرُ عَلَيْهِ الْعِتَابُ فِي كُلِّ حِينٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يُهَوِّنُ سَمَاعَ الملامَةِ فِي حَقِّهِ وَيَسْقُطُ وَقْعُ الكلام في قَلْبِهِ.
الأَدَبُ الثَّالِثُ عَشَرَ: أَن يَكُونَ الأَبُّ حَافِظًا لِهَيْبَةِ الْكَلامِ مَعَهُ وَلا يُوَبِّخُهُ إِلا أَحْيَانًا، والأُمُّ تُخِّوُفه بِالأَبِ وَتَزْجُرُهُ عن الْقَبَائِحِ وَتُظْهِرُ لَهُ الْوَعِيدَ بِشِدَّةِ الأَب وَخَوْفِهِ مِنْهُ.
الأُمُّ مَدْرَسَةٌ إِذَا أَعْدَدْتَهَا ** أَعْدَدْتَ شَعْبًا طَيّبَ الأَعْرَاقِ

الأُمُّ رَوْضٌ إِنْ تَعْهَدَهُ الْحَيَا ** بِالدِّينِ أَوْرَق أَيَّمَا إِيرَاق

الأَدَبُ الرَّابِعَ عَشَرَ: يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِن النَّوْمِ نَهَارًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُورِثُ الْكَسَلَ فِي حَقِّهِ وَلا يُمْنَعُ مِنَ النَّوْمِ لَيْلاً لأَنَّ مَنَّعَهُ مِنَ النَّوْمِ فِي اللَّيْلِ يُورِثُ الْمَلالَةَ وَالتَّسخُنَ وَيُضْعِفُ عَنْ مُكَابَدَةِ النَّوْمِ وَشِدَّةِ النُّعَاسِ.
الأَدَبُ الْخَامِسَ عَشَرَ: يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِن اسْتِعْمَالِ الْفُرَشِ الْوَطِيةِ حَتَّى تَتَصَلَّبَ أَعْضَاؤُهُ وَيَسْتَخِفُ بَدَنُه فلا يَصْبِرُ عن التنعّمِ.
بَلْ يُعَوَّدُ الْخُشُونَةِ فِي الْمَلْبَسِ وَالْمَفْرَشِ وَالْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ. فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَفُضُولَ الْمَطْعَمِ فَإِنَّهُ يَسِمُ الْقَلْبَ بِالْقَسْوَةِ».
الأَدَبُ السَّادِسَ عَشَرَ: يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِن كُلَّ مَا يَفْعَلُه في خُفْيَةٍ فَإِنَّهُ لا يُخْفِيهِ إِلا وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّ قَبِيحٌ فَيَدْعُو ذَلِكَ إلى أَنَّهُ يَتَعَوَّدُ فِعْلَ كُلِّ قَبِيحٍ.
الأَدَبُ السَّابِعُ عَشَرَ: يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّد فِي بَعْضِ النَّهَارِ الْمَشْيَ فِي الْحَرَكَةِ وَالرِّيَاضَةِ حَتَّى لا يَغْلِب عليه الكسلُ ويَتَعَود الميلَ إليه.
وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْتَادُ الرَّمْيَ وَيُحِبُّهُ فَلا بَأْسَ بِشُغْلِهِ، وَهَكَذَا الْحَالُ فِي رُكُوبِ الْخَيْلِ فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «ثَلاثَةٌ لا تُعَدُّ مِن اللَّهْوِ، لَهْو الإِنْسَانِ بِفَرَسِهِ وَلَهْوَهُ بِقُوسِهِ وَلَهْوَهُ بِأَهْلِهِ».
الأَدَبُ الثَّامِنَ عَشَرَ: يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّد أَنْ لا يَكْشِفَ أَطْرَافَهُ وَلا يُسْرِعَ فِي الْمَشْيِ وَلا يُرْخِي يَدَيْهِ يُحَرِّكُهُمَا وَرَاءَهُ فِعْلَ الْمُتَبَخْتِرِ.
فَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذِه الْمَشْيَةِ، وَهَكَذَا حَالُ التَّمَطُّطِ عِنْدَ الْمَشي مَكْرُوه أَيْضًا وَقَدْ نَهَى عَنْهُ.
الأَدَبُ التَّاسِعَ عَشَرَ: يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِن الافْتَخَارِ عَلَى أَقْرَانِهِ وَأَمْثَالِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا يَمْلِكُه أَبَوَاهُ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ مَطَاعِمِهِ وَمَلابِسِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَيُعَوَّدُ التَّوَاضُعَ وَالإِكْرَامِ لِكُلِّ مَنْ عَاشَرَهُ مِن الصِّبْيَانِ وَيُلَطَفَ فِي الْكَلامِ مَعَهُمْ.
الأَدَبُ الْعُشْرُونَ: يُمْنَعُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الصِّبْيَانِ مِنْ أَمْثَالِهِ شَيْئًا إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّرَفِ وَالرِّيَاسَةِ وَيُقَرَّرُ فِي نَفْسِهِ أَنَّ الأَخْذَ لَوْمٌ وَخِسَّةٌ وَنُزُولُ قَدْرٍ وَأَنَّ الإِعْطَاءِ كَرَمٌ وَشَرَفٌ.
وَإِنْ كَانَ مِن أَوْلادِ الْفُقَرَاءِ فَيُقَررُ فِي نَفْسِهِ أَنَّ الأَخْذَ طَمَعَ وَفِي الطَّمَعِ مَهَانَةٌ وَمَذَلَّةٌ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَأْبِ الْكَلامِ فَإِنَّهُ يَتَذَلَّلُ فِي انْتِظَارِ لُقْمَةٍ.
الأَدَبُ الْحَادِي وَالْعُشْرُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَبحَ إلى الأَوْلادِ حُبَّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالطَّمَعَ فِيهِمَا وَيُحَذَّرَ مِنْهُمَا أَكْثَرَ مِمَّا يُحَذَّرُ مِن الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَالسُّمُومِ.
فَإِنَّ آفَةَ حُبِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالطَّمَعِ فِيهِمَا أَكْثَرُ مِنْ آفَةِ السُّمُومِ عَلَى الصِّبْيَانِ بِلْ عَلَى الأَكَابِرَ مِنْ الْعُقَلاءِ، فَإِنَّ ضَرَرَ السُّمِّ يَنْقَطِعُ بِالْمَوْتِ وَضَرَرُ حُبِّهِمَا يَتَجَدَّدُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
الأَدَبُ الثَّانِي وَالْعُشْرُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّدَ أَنْ لا يَبْصُقَ فِي الْمَجْلِسِ وَلا يَتَمَخَّط بِحَضْرَةِ غَيْرِهِ وَلا يَسْتَدْبِرِ غَيْرَهُ من الْمُسْلِمِينَ وَلا يُكْثِرَ التَّثَاؤب.
الأَدَبُ الثَّالِثُ وَالْعُشْرُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّمَ كيفيةَ الْجُلُوسِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ عَلَى الأرض أَوْ نَاصِبًا قَدَمَهُ الْيَمِينَ وَاضِعَ الأُخْرَى عَلَى الأرض أَوْ يَقْعُدْ مُحْتَبِيًا بِيَدَيْهِ، هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ.
الأَدَبُ الرَّابِعُ وَالْعُشْرُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ كَثْرَةِ الْكَلامِ إِلا مِنْ ذِكْرِ اللهِ وَيُبَيِّنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَمَارَةِ الْوَقَاحَةِ وَأَنَّهُ عَادَةَ أَبْنَاءِ اللِّئَامِ وَأَوْلادِ السَّفَلَةِ مِنَ النَّاسِ لِيَنْزَجِرَ عَنْ ذَلِكَ وَيَمْتَنِعَ مِنْهُ. وَاللهُ أَعْلَمُ.
الأَدَبُ الْخَامِسَ وَالْعُشْرُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ عَنِ الأَيْمَانِ صِدْقًا كَانَتْ أَوْ كَذِبًا حَتَّى لا يَتَعَوَّدَ ذَلِكَ فِي حَالِ الصِّغَرِ.
الأَدَبُ السَّادِسَ وَالْعُشْرُونَ: يُمْنَعَ مِنْ لَغْوِ الْكَلامِ وَفُحْشِهِ وَمِنْ اللَّعْنِ وَالسَّبِّ، وَمِنْ مُخَالَطَةِ مَنْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْرِي لا مَحَالَةَ مِنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَأَصْلُ تَأْدِيبِ الصِّبْيَانِ الْحِفْظُ مِنْ قُرنَاءِ السُّوءِ. قُلْتُ: ويحذر من التلفاز والفيديو والمذياع والمجلات الهَدَّامَةِ لِلأَخْلاقِ.
الأَدَبُ السَّابِعَ وَالْعُشْرُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّمَ شَجَاعَةَ الْقَلْبِ وَالصَّبْرِ عَلَى الشَّدَائِدَ وَتمْدحَ هَذِهِ الأَوْصَافِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِسَمَاعِهِ لَهَا يَنْغَرِسُ فِي قَلْبِهِ حُسْنُهَا وَيَتَعَوَّدُهَا.
الأَدَبُ الثَّامِنُ وَالْعُشْرُونَ: يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّمَ طاعة والديه ومُعلمه ومؤدّبه وكل من هو أَكبر منه سنًّا من قريب أَوْ بعيد أَوْ أجنبي من المسلمين وأن يكون ناظرًا إليهم بعين الجلالة والتعظيم، وأن يترك اللعب بين أيديهم فهذه الآداب كلها متعلقة بسن التمييز في حالة الصغر قبل البلوغ. انتهى باختصار.
والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

.فصل في كَلامٍ نافعٍ في بيان فوائد الجوع وآفات الشبع:

فقَالَ رحمه الله:
الْفَائِدَةُ الأُولى: صَفَاءُ الْقَلْبِ وَاتِّقَادُ الْقَرِيحة وَنَفَاذُ الْبَصِيرَةِ، فَإِنَّ الشَّبَعَ يُورثُ الْبَلادةَ وَيعْمِي القلبَ وَيُكِثر الْبُخَارَ في الدِّمَاغِ يشبهِ السُّكْر حتَّى يَسْتَوْلِي على مَعَادِنِ الْفِكْرَةِ فَيَثْقُلُ القلبُ بِسببِ ذلك الجريانِ في الأَفْكَارِ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: رِقَّةُ القلب التي يَتَهَيَّأُ بِهَا لإِدْرَاكِ حَلاوَةِ المناجاةِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَكَمْ مِنْ ذِكْرٍ يَجْرِي عَلَى اللسانِ مَعَ حُضُورِ القلبِ.
ولكن الْقَلْبُ لا يَلتذَ بِهِ ولا يَتَأَثَّرُ عنه حتَّى كَأَن بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابًا مِن قَسَاوَةِ الْقَلْبِ.
وَقَدْ يَرِقٌ في بعضَ الأَحْوَالِ فَيَعْظُم تَأَثُّرُهُ بالذكرِ وتَلّذُذُهُ بالمناجاة، وَخُلُّو المعدةِ هو السَّبَبَ الأظهر في ذلك.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: الانْكِسَارُ والذلُ وزوالُ البَطَرِ والفَرَح والأشَرِ الذي هو مَبْدأَ الطُغيانِ والغفْلةِ عن الله تعالى.
ولا تَنْكَسِرُ النَّفْسُ ولا تَذَلّ كَمَا تَذِلُّ بالجُوع، فعِنْدَهُ يَسْتَكِينَ العبدُ لِرَبِّهِ وَيَخْشَعُ لَهُ وَيَقِفُ عَلى عَجُزِهِ وَذُلِّهِ.
والبَطْرُ والفَرَحَ بَابَانِ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ وَأَصْلُهُمَا الشِّبعُ، وَالذُّلُ والانْكِسَارُ بَابَانِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَأَصْلُهُمَا الْجُوع.
وَمَنْ أَغْلَقَ بابًا مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ فَقَدْ فَتَحَ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ بِالضَّرُورَةِ لأَنَّهُمَا مُتَقَابِلانِ كَالْمَغْرِبُ وَالْمَشْرِقُ، فَالْبُعْدُ مِنْ أَحَدِهِمَا قَرْبٌ مِنَ الآخر.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ، لا يُنْسَى بلاءَ الله وعذابه ولا ينسى أهل البلاءِ، فإنَّ الشَّبْعَان يَنْسَى الجَائِعِينَ وَيَنْسَى الجُوعَ، وَالمؤمنُ الفَطِنُ لا يَشَاهِدُ بَلاءً إِلا وَيَذَكِّره بَلاءَ الآخِرَةِ، وَيَتَذَكَّرَ مِنْ عَطَشِهِ الْخَلائِقِ في عَرَصَاتِ القِيامة، ومِن جُوعِهِ جُوعَ أَهْلِ النَّارِِ حِينَ يَجُوعُونَ فَيُطْعَمُونَ مِنَ الزَّقُّومِ، وَالضَّرِيعِ وَيُسْقَوْنَ الْغَسَّاقَ وَالْمَهْلَ.
الْفَائِدَةُ الْخَامِسَةُ: كَسْرُ شَهَوَاتِ الْمَعَاصِيَ كُلِّهَا وَالاستيلاءُ على النَّفْسِ الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ، فَإِنّ مَنْشَأَ الْمَعَاصِي كُلِّهَا الشَّهَواتُ.
وَنَيْلُ الشَّهَوَاتِ مَادَةُ الْقُوى، وَمَادَّةُ الشَّهَوَاتِ وَالْقُوى لا مَحَالَةُ الأَطْعِمَة، فَبِقِلَّتِهَا تضعفُ كُلَّ شَهْوَةٍ وَقُوُّةٍ.
وَالسَّعَادَةُ كُلَّها أَنْ يَمْلِكَ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَالشَّقَاوَةُ فِي أَنْ تَمْلِكَ الإِنْسَانَ نَفْسَهُ وَتَكُونُ هيَ الْمَسْتَوْلِيَةُ عَلَيْهِ.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: رَفْعُ النَّوْمِ وَدَوَامُ السَّهَرِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ شَبعَ شَرِبَ كَثِيرًا، وَمَنْ كَثَرَ شُرْبُهُ كَثَرُ نَوْمُه.
وَفِي كُثْرَةِ النَّوْمِ ضَيَاعُ العمر وفوتُ التَّهجُّدِ وبلادَةُ الطبعِ وقساوةُ القلبِ، والعُمُرُ أَنْفَسُ الْجَوَاهِر وَهُوَ مَالِ الإنْسَانِ الَّذِي به يَتَّجِرُ.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: تَيْسِيرُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ فَإِن كَثْرَةَ الأَكْلِ تَمْنَعُ مِنْ كُثْرَةِ الْعِبَادَةِ.
لأَنَّ الأَكْلَ يَحْتَاجُ إلى زَمَانٍ يَشْتَغِلُ فِيهِ بالأَكْلِ، وَرُبَّمَا احْتَاجَ إلى زَمَانٍ في شِرَاءِ الطَّعَامِ وَطَبْخِهِ ثُمَّ يَحْتَاجُ إلى غسلِ الْيَدِ وَالخلالِ ثم يَكْثُرُ ترَدّدهُ لِلْخُرُوجِ إلى بَيْتِ الْمَاءِ.
وَهَذِهِ أَوْقَاتٌ يمكنُ صَرْفُهَا إلى الْعِبَادَةِ عِوضًا عَنِ الأَكْلِ الْمُبَاحِ وَلَيْسَ لها سَبَبٌ إِلا كثرة الأَكَلِ وَالتوسّعُ في الشَّبَعِ.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: صحة البدنِ ودفع الأَمراضِ فإن سببها كثرةُ الأكلِ وحُصول فضلات الأَخلاطِ في المعدةِ والعروق.
ثم إن المَرض يمنعُ من العباداتِ ويُشوش القلوب ويمنعُ من الذكرِ والفكرِ ويُنغص ويُحْوجُ إلى الفصدِ والحِجامة والدواءِ والطبيبِ، وكُلُّ ذلك يحتاجُ إلى أُمورٍ كثيرةٍ وتبعاتِ وفي الجُوع ما يمنعُ من ذلكَ كُله.
الْفَائِدَةُ التاسعة: خِفَّةُ المؤنةِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ تَعَوَّدَ قِلَّةِ الأَكْلِ كَفَاهُ مِن المالِ قَدرٌ يَسير.
والذي تَعَوَّدَ الشَّبعَ صَارَ بَطْنُه غَرِيمًا مُلازمًا يَأْخذُ بِمِخْنَقِه كُلَّ يَوْمٍ فَيَقُولُ مَاذا تَأْكُلُ الْيومَ.
فيحتاجُ إلى أَنْ يَدْخل في المداخِلِ الْخَبِيثَة مِن الْحَرَامِ فَيَعْصِي أَوْ مِنْ الْحَلالِ فَيذِلَ وَيَتْعَبُ.
وربّما يَحْتَاجُ إلى أَنْ يمدَّ عَيْنَيْه إلى الْخَلْقِ بالطمعِ فِيمَا في أَيديهم وهو غايةُ الذُّلِّ والمؤمنُ خَفِيفُ المؤنة.
الْفَائِدَةُ العاشرةُ: التمكنُ من الإيثارِ والتصدّقِ بِمَا فَضَلَ مِنِ الأَطعمةِ على اليَتَامى والمساكين، ويكونُ يومَ القِيامة في ظِلِّ صَدَقَتِهِ كما ورد في الخبر.
فَمَا يَأْكلهُ فَخِزَانَتُهُ الْكَنِيف وَمَا يَتَصَدَّقُ بِهِ فخزِانَتُهْ فَضْل اللهِ وَرَحْمَتُه.
فهذه جُمْلَةُ ما نريد ذِكْرَهُ مِن فَوَائِدِ الجوعِ، وأَما آفات الشّبع فهو نقائض هذه الخصال التي أوردناها فلا حاجة لنا إلى تكريرها انتهى.
والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
وقال الشَّيْخُ عَلِيّ بنُ حُسَيْن بنِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ رَحِمَهُمْ اللهُ حِينَ جَلَوْ مِن الدَّرْعِيَّةِ بَعْدَ اسْتِيلاءِ الأَعْدَاءِ عَلَيْهَا سُقْنَاهَا لَعَلَّ الْمُسْلِمِينَ يَسْتَيْقِظُو مِنْ رَقْدَتِهِمْ وَيَرْجِعُوا إلى اللهِ وَيَأْمُروا بالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوا عَنْ الْمُنْكَرِ قَوْلاً وَفِعْلاً وَيَخْشَوْا الْعُقُوبَةَ الَّتِي جَاءَتْ لا تَخُصُّ الظَّالِمِينَ.
اللهم توفنا مسلمين، وألحقنا بعبادك الصالحين، واغفرْ لَنَا وَلِوالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْياءِ مِنهُم وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَم الرَّاحِمِينَ، وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحمَّدٍ وَعَلَى آلهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.
خَلِيلِي عُوْجَا عَنْ طَرِيقِ الْعَوَاذِلِ ** بِمَهْجُورِ لَيْلَى فَابْكِيَا فِي الْمَنَازِلِ

لَعَلَّ انْحِدَارَ الدَّمْعِ يُعْقِبُ رَاحَةً ** مِنَ الْوَجْدِ أَوْ يَشْفِي غَلِيلَ الْبَلابِلِ

أَرَى عَبْرَةً غَبْرَاءَ تَتْبَعُ أُخْتَهَا ** عَلَى إِثْرِ أُخْرَى تَسْتَهِلُّ بِوَابِلِ

تُهَيِّجُ ذِكْرًا لِلأُمُورِ الَّتِي جَرَتْ ** تُشِيبُ النَّوَاصِي وَاللِّحَا لِلأَمَاثِلِ

وَتُسْقِطُ مِنْ بَطْنِ الْحَوَامِل حَمْلَهَا ** وَتُذْهِلُ أَخْيَارَ النِّسَاءِ الْمَطَافِل

فَبَيْنَا نَسُودُ النَّاسَ وَالأَمْرُ أَمْرُنَا ** وَتَنْفُذُ أَحْكَامٌ لَنَا فِي الْقَبَائِلِ

وَتَخْفِقُ رَايَاتُ الْجِهَادِ شَهِيرَةً ** بِشَرْقٍ وَغَرْبٍ يَمْنَةً وَشَمَائِلِ

تَبَدَّلَتَ النَّعْمَاءُ بُؤْسًا وَأَصْبَحَتْ ** طُغَاةٌ عُتَاةٌ مَلْجَئًا لِلأَرَاذِلِ

وَبَثَّ عُتَاتُ الدِّينِ فِي الأرض بَغْيَهُم ** وَرِيعَتْ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ الْغَوَافِلِ

وَأَقْبَلَ قَادَاتِ الضَّلالَةِ وَالرَّدَى ** وَسَادَاتُهَا فِي عَسْكَرٍ وَجَحَافِلِ

وَشُتِّتَ شَمْلُ الدِّينِ وَأنْبَتَّ أَصْلُهُ ** فَأَضْحَى مُضَاعًا كَالْبُدُورِ الأَوَافِلِ

وَفَرَّعَنِ الأَوْطَانِ مَنْ كَانَ قَاطِنًا ** تَرَاهُمْ فُرَادَى نَحْوَ قِطْرٍ وَسَاحِلِ

وَفُرِّقَ شَمْلٌ كَانَ لِلْخَيْرِ شَامِلاً ** وَزَالَتْ وُلاةُ الْمُسْلِمِينَ الأَعَادِلِ

وَسَادَ شِرَارُ الْخَلْقِ فِي الأرض بَعْدَهُمْ ** وَدَارَتْ رَحَىً لِلأَرْذَلِيْنَ الأَسَافِلِ

فَأَصْبَحَتِ الأَمْوَالُ فِيهِمْ نَهَائِبًا ** وَأَضْحَتْ بِهَا الأَيْتَامُ خُمْصَ الْحَوَاصِل

فَكَمْ دَمَّرُوا مِنْ مَسْكَنٍ كَانَ آنِسًا ** وَكَمْ خَرَّبُوا مِنْ مَرْبَعٍ وَمَعَاقِلِ

وَكَمْ خَرَبُوا مِنْ مَسْجِدٍ وَمَدَارِسٍ ** يُقَامُ بِهَا ذِكْرُ الضُّحَى وَالأَصَائِلِ

وَكَمْ قَطَعُوا مِنْ بَاسِقَاتٍ نَوَاعِمٍ ** وَكَمْ أَغْلَقُوا مِنْ مَعْقَلِ وَمَنَازِلِ

وَكَمْ أَهْلَكُوا حَرْثًا ونَسْلاً بِبَغْيِهِمْ ** وَكَمْ أَيْتَمُوا طِفْلاً بِغَدْرٍ وَبَاطِلِ

وَكَمْ هَتَكُوا سِتْرًا حَيّيًا مُمَنَعًا ** وَكَمْ كَشَفُوا حُجْبَ الْعَذَارَى الْعَقَائِلِ

وَكَمْ حَرَقُوا مِنْ كُتُبِ عِلْمٍ وَحِكْمَةٍ ** وَفِقْهٍ وَتَوْحِيدٍ وَشَرْحِ مَسَائِلِ

وَكَمْ هَدَمُوا سُورًا وَقَصْرًا مُشَيَّدًا ** وَحِصْنًا حَصِينًا أَوْهَنُوا بِالْمَعَاوِلِ

وَكَمْ أَسَرُوا مِنْ حَاكِمٍ بَعْدَ عَالِمٍ ** وَكَمْ زَلْزَلُوا مِنْ مُحْصَنَاتِ غَوَافِلِ

وَكَمْ قَتَلُوا مِنْ عُصْبَةِ الْحَقِّ فِتْيَةً ** تُقَاةً هُدَاةً فِي الدُّجَى كَالْمَشَاعِلِ

يَذُودُونَ عَنْ وِرْدِ الدَّنَايَا نُفُوسَهُمْ ** وَسْعَوْنَ جُهْدًا لاقْتِنَاءِ الْفَضَائِلِ

فَمَا بَعْدَهُمْ وَاللهِ فِي الْعَيْشِ رَغْبَةٌ ** لَدَى مُخْلِصٍ حُرٍّ كَرِيمِ الشَّمَائِلِ

مَضَوْا وَانْقَضَتْ أَيَّامُهُمْ حِينَ أَوْرَثُوا ** ثَنَاءً وَمَجْدًا كَالْهُدَاةِ الأَوَائِلِ

فَوَا أَسَفًا مِنْ فُقْدِهِمْ وَفُرَاقِهِمْ ** وَوَاسَوْءَتَا مِنْ بَعْدِ أَهْلِ الْفَضَائِلِ

فَجَازَاهُمُ الرَّبُّ الْكَرِيمُ بِرَحْمَةٍ ** تَعُمُّ عِظَامًا أَوْدِعَتْ فِي الْجَنَادِلِ

وَأَبْقِي لَهُمْ نَصْرًا وَأَهْلاً مُؤَثَّلاً ** يُعِزُّ هُدَاةَ الدِّينِ بَيْنَ الْجَحَافِلِ

لَقَدْ بَخِلَتْ عَيْنٌ تَظُنُّ بِمَائِهَا ** عَلَى فَقْدِهِمْ أَوْ دَمْعُ عَيْنٍ تُهَامِلِ

فَقَدْ كُسِفَتْ شَمْسُ الْمَعَارِفِ بَعْدَهُمْ ** وَسَالَتْ جُفُونٌ بِالدُّمُوعِ الْهَوَاطِلِ

فَكَمْ عَاتِقٍ غَرَّاءَ تَبْكِي بِشَجْوِهَا ** وَأَرْمَلَةٍ ثَكْلَى وَحُبْلَى وَحَائِلِ

ينُحْنَ بِأَكْبَادٍ حِرَارٍ وَعَبْرَةٍ ** وَيُكْظِمْنَ غَيْظًا فِي الْجَوَانِبِ دَاخِلِ

يُرَجِّعْنَ أَلْحَانَ التَّعَزّي بِحُرْقَةٍ ** وَيُظْهِرْنَ صَبْرًا عَنْ شُمَاةٍ وَعَاذِلِ

فَلَوْ شَهِدَتْ عَيْنَاكَ يَوْمَ رَحِيلِهِمْ ** عَنْ الْمَسْكَنِ الأَعْلَى الرَّفِيعِ الْمَنَازِلِ

وَفُرِّقَتْ الأَحْبَابُ فِي كُلِّ قَرْيَةٍ ** وَسَارَ بِهِمْ حِزْبُ الْعَدُوِّ الْمُزَايِلِ

يَسُوقُونَهُمْ سَوْقًا عَنِيفًا بِشِدَّةٍ ** وَيُزْجُونَ أَشْيَاخًا بِتِلْكَ الْقَوَافِلِ

لَذَابَتْ جُفُون الْعَيْنِ وَاحْتَرَقَ الْحَشَا ** وَسَالَتْ خُدُودٌ بِالدُّمُوعِ السَّوَائِلِ

فَقَدْ عَاثَتْ الأَحْزَابُ فِي الأرض بَعْدَهُمْ ** بِكُلِّ مَكَانٍ نَاصِبِينَ الْحَبَائِلِ

فَكَمْ غَارَةٍ غَبْرَاءَ يُكْرَهُ وِرْدُهَا ** عَلَى إِثْرِ أُخْرَى بَيْنَ تِلْكَ الْقَبَائِلِ

وَكَمْ فِتْنَةٍ كُبْرَى تُتَابِعُ أُخْتَهَا ** عَلَى إِثرِ صُغْرَى مِنْ قَتِيلٍ وَقَاتِلِ

تَرَى خَيْلَهُمْ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُغِيرَةً ** عَلَى دَاخِلٍ أَوْ خَارِجٍ أَوْ مُسَابِلِ

عَسَى وَعَسَى أَنْ يَنْصُرَ اللهُ دِينَنَا ** وَيَجْبُرَ كَسْرًا مُثْقَلاً بِالْحَبَايِلِ

وَيَعْمُرَ لِلسَّمْحَاءِ رُبُوعًا تَهَدَّمَتْ ** وَيُعْلِي مَنَارًا لِلْهُدَى غَيْرَ زَائِلِ

وَيَكْسِرَ أَعْلامَ الضَّلالَةِ إِنَّهُ ** قَرِيبٌ مُجِيبٌ مُسْتَجِيبٌ لِسَائِلِ

وَيَطْمِسَ آثَارَ الْفَسَادِ بِدِيمَةٍ ** مِنْ النَّصْرِ هَتَّانِ الْجَوَانِبِ وَابِلِ

فَيَنْبُتُ زَرْعُ الْحَقِّ أَخْرَجَ شطأة ** مُسِحًا بِخَيْرٍ لِلثِّمَارِ الْحَوَاصِلِ

إلَهِي فَحَقِّقْ ذَا الرَّجَاءَ فَإِنَّنَا ** عَبِيدُكَ تُبْنَا لَسْتَ عَنَّا بِغَافِلِ

أغِثْنَا أَغِثْنَا وَأَرْفَعْ الضُّرَّ وَالْبَلا ** بِعَفْوِكَ عَنَّا يَا قَرِيبٌ لآمِلِ

فَإِنْ لَمْ تُغْثِنَا يَا قَرِيبُ فَمَنْ لَنَا ** لِنَقْصُدَ فِي دَفْعِ الأُمُورِ الثَّقَائِلِ

إِلَيْكَ أَنَبْنَا فَاغْفِرْ الذَّنْبَ وَالْخَطَا ** إِلَيْكَ رَجَعْنَا فَارْجِعِ الْخَيْرَ كَامِلِ

فَقَدْ سَامَنَا الأَعْدَاءُ سَوْمًا مُبَرِّحًا ** بِقَتْلٍ وَأَسْرٍ مُوثَقًا بِالْحَبَائِلِ

عَلَى غَيْرِ جُرْمٍ غَيْرِ تَوْحِيدِ رَبِّنَا ** وَهَدْمِ قِبَابِ الْمُشْرِكِينَ الأَبَاطِلِ

وَأَمْرٍ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْكَارِ مُنْكَرٍ ** وَفِعْلِ صَلاةٍ فِي الْجَمَاعَةِ حَافِلِ

وَأَخْذِ زَكَاةِ الْمَالِ فَرْضًا مُؤَكَّدًا ** يُرَدُّ لِذِي فَقْرٍ وَغُرْمٍ وَعَامِلِ

وَحَجٍ وَتَقْوِيم الْجِهَادِ لأَنَّهُ ** أَمَانٌ وَعِزٌ عَنْ مَذَلَّةِ خَاذِلِ

إِذَا مَا مَلَكْنَا قَرْيَةً أَوْ قَبِيلَةً ** أَقَمْنَا بِهَا شَرْعَ الْهُدَاةِ الْكَوَامِلِ

فَنَهْدِمُ أَوْثَانًا وَنَبْنِي مَسَاجِدًا ** وَنَكْسِرُ مِزْمَارًا وَطَبْلاً لِجَاهِلِ

وَنَقْطَعُ سُرَّاقًا وَنَرْجُمُ مُحْصَنًا ** وَنَجْلِدُ سَكْرَانًا بِنَصِّ الرَّسَائِلِ

نَكُفُّ ظُلُومَ الْبَدْوِ وَالْحَضْرِ إِنْ غَدَا ** يُغِيرُ عَلَى حَقِّ الضِّعَافِ الأَرَامِلِ

وَنَتْبَعُ آثَارَ الرَّسُولِ وَصَحْبِهِ ** مَعَ السَّلَفِ الْبِرِّ التُّقَاةِ الأَفَاضِلِ

كَأَحْمَدَ وَالنُّعْمَانِ قُلْ لِي وَمَالِكٍ ** كَذَا الشَّافِعِي رُكْنِ الْحَدِيثِ وَنَاقِلِ

فَمَاذَا عَلَيْنَا إِذْ سَلَكْنَا سَبِيلَهُمْ ** بِقَوْلٍ وَفِعْلٍ مُسْعِدٍ فَنَُوَاصِلِ

أَلا أَيُّهَا الإِخْوَانُ صَبْرًا فَإِنَّنِي ** أَرَى الصَّبْرَ لِلْمَقْدُورِ خَيْرَ الْوَسَائِلِ

وَلا تَيْأَسُوا مِنْ كَشْفِ ذَا الْكَرْبِ وَالْبَلا ** فَذُو الْعَرْشِ فَرَّاجُ الأُمُورِ الْجَلائِلِ

عُيُونُ الْقَضَا لَيْسَتْ نِيَامًا وَسَهْمُهُ ** مُصِيبٌ فَمَا يُخْطِي عُيُونَ الْمُقَاتِلِ

فَطُوبَى لِعَبْدٍ قَامَ للهِ مُخْلِصًا ** تَرَنَّمَ فِي مِحْرَابِهِ مُتَمَايِلِ

يَمُدُّ يَدَيْهِ سَائِلاً مُتَضَرِّعًا ** لِرَبٍّ قَرِيبٍ بِالإِجَابَةِ كَافِلِ

فَجَاءَتْ سِهَامُ اللَّيْلِ تَهْوِي بِسُرْعَةٍ ** إلى ظَالِمٍ عَنْ ظُلْمِهِ مُتَغَافِلِ

أَصَابَتْ نِيَاطَ الْقَلْبِ فِي وَسْطِ نَحْرِهِ ** فَآبَ بِخَسْرَانٍ وَحَرِّ بِلابِلِ

فَقُمْ قَارِعًا لِلْبَابِ وَالنَّابِ نَادِمًا ** عَلَى مَا جَرَى وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ وَسَائِلِ

وَأَمَّا بَنُو الدُّنْيَا فَلا تَرْج نَفْعَهُمْ ** فَلا مُرْتَقَى مِنْهُمْ يُرْجَى لِنَازِلِ

فَإِنِّي تَتَبعْتُ الأَنَامَ فَلَمْ أَجِدْ ** سِوَى حَاسِدٍ أَوْ شَامِتٍ أَوْ مُعَاذِلِ

فَلَمْ أَرَى أَنْكَى لِلْعَدُوِّ مِنَ الدُّعَا ** كَرَمِي بِنَبْلٍ أُوتِرَتْ بِالْمَنَاصِلِ

فَلا تَدْعُ غَيْرَ اللهِ فِي كُلِّ حَالَةٍ ** وَخَلِّ جَمِيعَ الْخَلْقِ طُرًا وَعَازِلِ

سَأَلْتُكَ يَا ذَا الْجُودِ وَالْمَنِّ وَالْعَطَا ** تَجُودُ وَتَعْفُو عَنْ عُبَيْدِكَ يَا وَلِي

وَتُرْسِلَ طَاعُونًا وَرِجْزًا وَنِقْمَةً ** وَطَعْنًا لِطَعَّانِ وَقَتْلاً لِقَاتِلِ

يَعْم لأَحْزَابِ الضَّلالِ وَصَحْبِهِمْ ** بِسَوْطِ عَذَابٍ عَاجِلٍ غَيْرَ آجِلِ

فَإِنَّكَ قَهَّارٌ عَلَى كُلِّ قَاهِرِ ** وَأَمْرُكَ غَلابٌ لِكُلِّ مُحَاوِلِ

وَأَزْكَى صَلاةً لا تَنَاهَى عَلَى الَّذِي ** لَهُ أنْشَقَّ إِيوَانٌ لِكِسْرَى بِبَابِلِ

مُحَمَّدٍ وَالأَصْحَابُ مَا هَبَّتِ الصَّبَا ** وَآلِ رَسُولِ اللهِ زيْنِ الْمَحَافِل

اللَّهُمَّ أَبْرِمْ لَهِذِه الأُمَّةُ أَمْرَ رُشْدِ يُعَزُّ فِيهِ أَهْلَ طَاعَتِكَ وَيُذَلُّ فِيهِ أَهْلُ مَعْصِيَتِكَ وَيُؤْمَرُ فِيهِ بِالْمَعْرُوفِ وَيُنْهَى فِيهِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُزَالُ بِهِ مَا حَدَثَ مِنْ بِدَعٍ وَمُنْكَرَاتٍ وَمَعَاصِي وَيَحْيَا بِهِ بَدَلُهَا مَا أُمِيتَ مِنْ سُنَّةٍ وَغِيرَةٍ وَشِيمَةٍ كَرِيمَةٍ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ وَبِالإِجَابَةِ جَدِير.
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا بَدِيع السَّمَاواتِ والأرض نَسْأَلُكَ أَنْ تُوفِّقَنا لِمَا فِيهِ صَلاَحُ دِينِنَا وَدُنْيَانَا، وَأَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا وَأَكْرِمْ مَثْوَانَا، وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعيِنَ.